الطلق...علا عاشوري



هي أخر من بقي من ابناء جنسها٬ تسير بوهن ٬ تحمل الام مخاضها وخلاصها. لم تخلق لهذا الزمن ولم تعد تعرف هذه الأرض التي دبت عليها ٬ فكل ما حولها ينفث رائحة الدم وكل الكون يرجع صدى صرخات الموت.
حثت الخطى٬ كيف تنجو بوليدها منه وقد استحال فناؤه ٬ فهو لعنة أزلية ٬ ان حلت بصغيرها ستورثه الانانية٬ سيغدو مفتونا بالقتل٬ مغرما بسفك الدماء٬ يطرب لدوي القنابل٬ يبني مجده الزائف فوق رفات الأبرياء.
طلقها سينتهي ليولد ذاك النور من جديد يجلي حجب الظلام التي عمت الكون. باتت خطاها متقاربة ٬ متثاقلة وهي تجره خلفها٬ تبحث عن مكان ملائم لوأده. كان ثقيلا رغم خفته٬ كان ضخما رغم ضألتة٬ كان أجوفا لكنه ملأ الكون بسطوته.
اللحظات التي تسبق الموت هي حياة بأكملها. ستدفنه رغم علمها ببقاءه حيا هو الخالد الذي لادين له٬ تتبعه كل الأديان٬ هو الفناء لكنه غاية كل الأشقياء. ستدفنه علها تدفن تاريخه٬ علها تنقذ الأجيال القادمة من ضغائن ماضيها من حقول الحقد والكراهية من ثمار التفرقة من الات قتل عمياء تفني حتى ذاتها.
لابد لموازين الكون أن تستوي. كانت قطتها مختبئة في قفص العصفور هاربة من بطش طائر صغير٬ أما البشر لاذوا بالسجون ينشدون بالأسر ....حريتهم. الغربان غردت والحساسين ناحت على أهل الأرض والطاوس بات نذير شؤم ينتف بمنقاره ريشه الجميل. حلقت البوم والخفافيش في وضح النهار٬ حجبت ضوء الشمس إذ لافائدة من النور لبشر إجتاح الظلام قلوبهم. وحدها الأشجار تخلت عن جذورها بحثا عن النور تاركة البشر مغروسين في العتمة ينتظرون موتهم حسب الأصول.
لابد لها أن تتحمل مزيدا من الام المخاض ومزيدا من عبء ما تجره خلفها .... يجب عليها دفنه بعيدا... عميقا. لابد لكابوسه أن ينتهي ليولد عالم جديد ينكره وينكر تعاليمه واساليبه عالم متحررمن فطرته المجرمة.
بكل طاقتها حفرت وحفرت وكلما أحست الام المخاض أسرعت أكثر٬ يجب أن يدفن قبل ولادة طفلها٬ لاتريده أن يراه أو أن يتعرف عليه فيطمع به. يجب أن تبدد الظلام كي يولد النور كما لابد من الموت لتنبعث الحياة. وهي على حافة الموت وعلى وشك الحياة هالت التراب عليه لكنها لم تعد قادرة على الابتعاد٬ خارت قواها ووصل الطلق ذروته٬ دفن الظلام وآن للنور أن يولد٬ آن لها أن تلد آدم وحواء ليدب الطهر من جديد على أرض دمرتها الأطماع.

لازالت تسمع رجع أنفاسه عبر مسام الأرض٬ لازال وهج ظغيانه يشع رغم رقوده في العمق. أتى وليدها يملأ الدنيا صراخا٬ يعلن قدومه٬ يبسط سطوته قبل أن يفاجئها مخاض أخر أتى ليولد معه الصراع السرمدي. كانا يحبوان خلفه ممزقان حبلهما السري٬ متخليان عن الطهر والبراءة. كانت منهكة من الحيرة بين الشك واليقين٬ الحب والكراهية٬ بين الوجود أو العدم. وبأخر ما أوتيت من قوة شدتهما من سباقهما المحموم ٬ تردد لا اريدكما أن تصلا لذاك الكرسي الذي دفنت.

هناك تعليق واحد :

  1. مزج ما بين الواقع والخيال يعزف بألوان يغلب عليها الخوف والقلق ليشكل لحناً سريالياً وكأنه نابع من أعماق ضمائرنا

    ردحذف