* كـل يوم تعـود حبيبتي (41-50) *




* تعـود حبيبتي اليـوم بقصةٍ ظـاهرٍ طـرفُها من حقيبتها لم تروِهـا لجدهـا؛ فقد عرَف من شقائق النعمان، تحملُهـا بين يديهـا، أنها لم تكـن في حضرة المدينة *

* كـلُّ يـومٍ تعــود حبيبتي و في الحقيبة على ظهرها قد أخفَتْ حبـةً من لـؤلـؤ وجدتْهـا على أَسْفَلت المدينة، أو في حـفلةِ عشـاء فـاخرة، تظنُّه من عقدٍ تَـقَطَّـع *

* تعـودُ اليـوم حبيبتي واجمةً، لستُ أسـائلها! تهـرع إلى الغـرفة السـرية فتبرُزُ منها بغَير الوجهِ الذي دخلت به. لا أسـأل عن السبب؛ فحبيبتي لا تُحـبُّ الأسئـلة! أطـيلُ الرَّنـا إليها حتى قلت لها: تبدين بأفضـل حال! قالت: نعم، نـزعت الوجـومَ هنـاك! *

* كل يوم تعـود حبيبتي و قد آوَتْ إلى جيبها حصـى انبثقت من تكسُّـر الشـارع، كرة زجـاجية أضاعها الأطفـال فيه، مطــاطاً، ورقـة شجر، و لهـاث من يصعد الجبـل؛ تضعها كلها في طاولة اللعب و تغـلق عليهـا *

* تعود حبيبتي هــذا المســاء بدمعة سوداء، و دمعة نقيــة، و دمعة من هــواء. ثلاثية الدمــع المنطـلق من مؤق عينيها جَمدت عندما رأتْ عينيه، لستُ أعلمُ من هــو، لكني رأيتُه بعينيها، يأتي نــوراً في غرفة العيـن المعتمة... حبيبتي: من يكـــون ؟! *

* كـل يومٍ تعــودُ حبيبتي و هي تدندنُ بأغنيــةٍ أظنها جلبتها من غصن شجرة الجد الكبيــرة، و تبقـى كذلك حتى تغنيهــا لجدهــا بأناقة أنغامهـا الإسبانية. في الحقيقة، حبيبتي قد اجتَلَبَتِ الغصن أيضاً كي لا تُغْفـلَ ألحان الشجرة *

* تعــودُ اليـومَ حبيبتي على غيـرِ دَيدَنِهـا خائفة جداً، تُرَفرفُ أشفـارُ جفنيها من الهلع، تعدو إلى جدِّهـا تمسكُ بذِراعيه بشدة و تهزُّهمــا: جدِّي، لا إنـارة في الشـارع الليلة! قد عرف جدُّها الحكـاية حين أخرجت مصـباح الشـارع من حقيبتها و وضعته في الغـرفة، تنيرهـا، حتى يقرأ لها جدها قصـة قبل الإغفـاء *

* اليـوم حبيبتي غريبة جداً، تعـود لاهثةً أنفاسُها تتقطــع، و تصرخ: جدي! جدي! يخرجُ جدُّهـا من غرفته على عجل، فتقـول له: لقد رأيتُ غـروبَ الشمس. ينظـرُ جدها إلى حقيبتها مملوءة بضـوء الشمس. حبيبتي سـرقته كله من أجـل جدهـا *

* كل يوم تعـودُ حبيبتي، أجدُهــا قد نزعتْ وجهَها و ارتـدتْ وجهـاً أكثـرَ أنــاقة في الشحــوب، أشدَّ بـراءة في الغَيّ، تضعهُ في حقيبةِ الظـهر. فلا ترى الحقيبةُ تِلكَ الأناقـةِ حُسناً، و لا تلكَ البراءةِ رُشداً، فتنتزعُ منها الوجهَ متَـكَـسِّـرةً معـالمُه، و ترميهِ حبيبتي على متنِ طـاولةٍ يتلاعبان به: جدها و هيَ، نرداً أسـود *


* اليـوم مختلف تماماً، لا رمـلَ ألقـاهُ على الشـاطئ! انكفأتُ إلى البيتِ، جلستُ على الأريكة أفكـر، و بين الشـرود فيما جرى و الإرهـاق مما جنيتُ من اليـوم، تجدُ عينِي آثـار الرمـلِ في المنزل. تحيَّرتُ: هل حبيبتي هنـا؟! أدري لم تبـادر إلى ذهني خـاطرٌ غريب؟ تبعتُ الرمـل إلى الغـرفة السرية تجرأتُ و فتحتُ الباب، لم أجد أثـراً! و من خـلفي صـوت هادئ يهمس: تعـود حبيبتي اليـوم قبلي، تحمِلُ في حقيبتها الرمل كله لي، كي لا أزور الشاطئ ثانيةً *

ليست هناك تعليقات :