حكايات ليسينج القصيرة-ترجمة و تعليق فداء العايدي





إذ أعرض لنماذج من حكايات المسرحي والأديب الألماني جوتهولد افرايم ليسينج أو ما يسمى بالألمانية
 Fabeln ،فإني أتحرى ارتباط وشائجها بفن القصة القصيرة جدا، أحد أحدث أشكال التعبير  الأدبي المتولدة عن القصة القصيرة والمولدة لها، مع الالتفات إلى ارتباط نشوء هذا الفن بالتطورات المنطقية في مسيرة الأدب حيث الوصول لمرحلة إنسانية تتطلب اختزالا وتصفية، ليرشح قالب تعبيري تنبع جمالية شكله من مضمون مقولته القليلة.
والشكل الفني ومميزات القصة القصيرة جدا الحديثة هي النقطة المشتركة التي يمكن أن نقع عليها في حكايات المسرحي ليسينج. هذا الاقتصاد في الشكل الذي اختطه ليسينج لمشروعه يتماشى مع حركة التنوير في القرن الثامن عشر والمتبلورة عن ثورة مارتن لوثر الفكرية الشاملة ومبادئها التي اعتنقها ليسينج بإيمان وهي اعتقادات تقدمية فعلا، تنادي بفكرة أن تطور العقل الإنساني منفصل عن الوحي الإلهي ، رافضة التفسير الحرفي للإنجيل ، وتناولت كذلك قضية تسامح الأديان في نقاشات جدية ، وهذا ما جعل الفلسفة تميز الحركة الفكرية في ألمانيا على عكس فرنسا العواطف والرومانسيات، فغلب على ما نتج من منجزات أدبية  التقتير الزخرفي لصالح الأفكار.
كان ليسينج يحلم ببرجوازية جديدة مثقفة ومتحررة من سلطة النبلاء الاجتماعية وما يرتبط بهم من تقسيمات طبقية تؤثر على العمل الأدبي فتحصره في لغة وموضوعات بعينها.
عارض ليسينج النموذج الفرنسي في تعاطيه مع الأدب في تلك الحقبة وعاد إلى النظريات الأدبية الكلاسيكية لأرسطو واحتفى بأعمال شكسبير، لذا يمكننا القول أن تأثر ليسينج بالفرنسي جان دو لافونتين –صاحب القصص الشهيرة على ألسن الحيوانات- احتمال مرجح لكن ليسينج، إن فعل، فإنه صقل نتوءات الزخرفة ولملم الآهات الفرنسية المنفلتة عن حدود النص الأدبي.
على مستوى آخر، يبرز هذا الفن نموذجا ناجحا للعولمة الثقافية التي تهزم بلاغة الشكل المتمثل في جماليات اللغة ببلاغة المضمون والشكل المتولد عنه، لذا فإن ترجمة هكذا نصوص تعد صوتا جيدا للتواصل الثقافي.
وبذا فإن التساؤل حول  ما إذا كانت القصة القصيرة جدا حديثة الاكتشاف أم مختبئة خلف فنون أخر احتلت الساحة، هذا التساؤل يصبح مطروحا. ويثار أيضا سؤال الاشتغال في الأدب والفنون بوصفه مناظرا لسؤال التحضر، إذ نقول إن تجربة الكتابة العربية في إطار هذا الشكل الأدبي الإبداعي تحت مسمى القصة القصيرة جدا لا تتعدى النصف قرن لا غير.

من هو ليسينج؟
ولد جوتهولد أفرايم ليسينج عام 1729 في بلدة كامنز الألمانية التابعة لسكسونيا لأب كاهن. درس علم اللاهوت والطب في لايبزيج إحدى حواضر الثقافة في الشرق الألماني ، مدينة جوته وشيلر.عمل محررا صحفيا في إحدى الصحف. أقام في برلين فترة ثم غادر إلى هامبورج في شمال ألمانيا حيث عمل كمؤلف وممثل مسرحي في المسرح القومي الألماني الذي ساهم في تأسيسه. تزوج في سن السابعة والأربعين من زميلته في المسرح القومي إيفا كوينج التي توفيت عام 1778م أثناء إنجابها لطفل أول ميت. توفي ليسينج في 1781م ودفن في بلدة براون شفايغ عن عمر يناهز اثنين وخمسين عاما.                                                                                          قبر ليسينج في براون شفايغ 
 أعمال ليسينج هي نماذج للدراما الألمانية البرجوازية التي تطورت لاحقا ؛ ( مس سارة سامسون) أول تراجيديا برجوازية و (لاوكون Laocoon) و (الدراما الهامبورغية) كتابات تنظيرية أسست لمناقشة النظريات الأدبية والجمالية و (مينا فون بارنهلم) نموذج كوميدي .أما (ناتان الحكيم) فهي أول دراما عقائدية يتناول فيها ليسينج قبول العقائد المغايرة في حوارات مع ممثلين عن المدارس العقائدية المختلفة.

هناك تعليق واحد :

  1. يا خسارة..أين الحكايات التي بذلت مجهودا في ترجمتها وانتقائها؟ أنتم لستم أمناء على الجهد الإبداعي....فداء العايدي

    ردحذف