ثم ماذا؟؟

عندما كانت تتابع تلك الشعارات الرنانة وتلك الأشعار التي يصدح بها كانت مثيرة لفضولها رغم أنها كانت تعاني من عرج في الوزن..لكن لتلك الكلمات التي تخرج من حنجرته كعندليب قطعت أوتاره..وقع في قلبها...
أحتسي الوجع خمرا يُسكرني..
  فلا كم الجوع يُضنيني
ولا حزم الفقر تقتلني
خطبي أني عاشق وحب الصبِّ قاتلي..
وطبول الحرب وعرس الثكالى يعذبني
ثم ما يلبث أن يستفيق على صيحة مفزعة يتبعها بأقذع السباب عن الامبريالية وحق تقرير المصير لشعوب الأرض ولممالك النمل وقراه بأكملها ..وديع رؤوف بالنسبة لوداد رواية ليس لها بداية ولكن نهايتها محتومة ..قد يسجن طيلة حياته في مفهوم القسوة البشرية والجنون وقد يوضع في مصحة للأمراض النفسية..
لا تدري بالضبط ما الذي شدها إليه؟ ..أيكون إشفاقها عليه ورغبتها في إنفاذه من سجنه؟؟ أم تلك الدغدغة التي أرغت رغوة في محيط قلبها؟؟؟
 لم تعرف إن كان ما يسمونه الحب؟؟ وإن كان وديع استهواها في تلك القدرة العجيبة في مهارة الخطابة؟
..ربما كل ذلك ذكرها بتلك المقولة التي قرأتها في إحدى الكتب.."إن أردت أن تستنطق حجرا فعلمه أولا كيف يقرأ وإن كنت تريد ملاكا فعلمه قبل كل شيء كيف تكون إنسانا وإن أردت أن تهدي فاسقا فكن رهبانا..وإن أردت أن تقاتل جيشا علم جنديك مهارة الحوار قبل فن الخديعة.."

وكون وديع يملك تشدقا في الخطاب وتطرفا لا نظير له، فعليها أن تعرف أن مهمتها ليست بالسهلة فكل المنافذ إلى قلعته الأسطورية محكمة الإغلاق بمتاريس من اعتداد أعمى بالنفس.. فعندما يجتمع الكثيرون حول لوحة ما بغية نقدها ودراستها، يكون قد شق الصفوف نافخا صدره كديك تركي واضعا يديه في جيبي بنطلون القماش الباهت لونه فلا يُعلم أي لون كان..فيسمع نقده اللاذع قبل ظهور صورته... فتشكيلة الألوان ودرجات الظل والرسم ذاته قد تأخذ منه ساعات طويلة في نقدها وتجريدها، كونها لا تخرج عن إطار غباء فني قد استنفذ صاحبه الذوق الرفيع.. فصورة امرأة مثلا تحمل على رأسها جرة ماء، وقد بدا على محياها التعب والضنك، وأرخت جيدها بانحناءة وهنا ما في ظل شمس حارقة، بمزيج لوني غامق والألوان في دوائر متتالية ..فإنه يراها على عكس ما يراه الجميع من بلاغة فنية..فهو يرى في ذلك الرسم، طاقة سماوية متشعبة تتمركز في نقطة معينة تجذب إليها هذه المرأة التي تحمل هموما وتعبا إلى حيث يمنحها اللجوء إلى السماء عدالة ما، قد تكون من العذاب نفسه.. إذ أن العدالة لا تعني بالضرورة  الراحة الذاتية، التي تتصالح فيها جميع القوى من خير وشر على حقيقة الرضا.. وقد لا يعني الرضا الإنصاف إذ أن الإنصاف لا يمكن أن يمنحه أحد مهما تفوق لأنه لا يملكه..و في الحقيقة فجميع المخلوقات على دناءتها تبحث عن قوى عظمى تحقق لها هذا الإنصاف، ولا يمكن أن ينتهي حديثه عند هذا الحد، فسيثير قضايا في المساواة والعنف والاغتصاب، وقد يعرج على السياسة والفساد الحكومي والسياسة المضادة والصواريخ والقنابل العنقودية واللجان الدولية والايدز وغيرها من القضايا التي لا تستهوي أحدا إلا من استأصل كل ما في جوفه من مرارة وزائدة دودية وأجرى عملية للقلب المفتوح ..

ليست هناك تعليقات :