الرهان على مستقبل الأجيال


HyperLink
مقالتي الرهان على مستقبل الأجيال


الرهان على مستقبل الأجيال

إن المطالبات بالعدالة والحياة الكريمة والحرية حق مشروع لا يمكن النقاش فيه وعلى الحكومات توفير الحد الأدنى منها لمواطنيها. هذه الحقيقة التي لا تحتمل المساومة عليها مطلقا وهي حق مكفول وفق المواثيق الدولية للشعوب في تقرير مصيرها..غير أن ربع الساعة المتبقية من عمر اللعبة والتي يسعى فيها كل من الفريقين لإحراز هدف في مرمى الآخر هي الأكثر خطورة.. ربع ساعة قاتلة التي تُمَكن كلا من الفريقين فرصة البحث عن التفوق بأي طريقة كانت بغض النظر عن كونها مشروعة أم غير مشروعة.. والتي إن لم تحسم نهايتها فستكون عاقبتها وخيمة ..
بين هذا المنطق وذاك تبقى الساحة خالية وسياسة العض على الأصابع هي التي يراهن عليها أصحاب القرار، وإمكانية كسب الوقت هي التي يسعى إليها المطالبون بالإصلاحات..و الإصلاح غاية ايجابية، لكنها متباينة في طرق طرحها الغير منظمة في كثير من الأحيان وإن كانت فقد تكون في الطريقة السلبية الهمجية التي تتعامل فيها قوى الأمن وحفظ النظام مع المتظاهرين المنظمين ..وهو الخطأ الذي يتحمله كل من الفريقين..والتي لم يتمكن فيها الشعب والحكومات وإدارتها ومؤسساتها التنفيذية والأمنية من احتواء الآخر..
.. إن كانت هذه المطالب العادلة أساس الطرح ومنطقه والفوضى حصيلتها تبقى الحاجة الأكيدة في إيجاد نقطة محايدة هدفها سعي حقيقي في تفضيل المصلحة العامة على أي مآرب شخصية رسالتها إقامة للمدينة الفاضلة التي نعيش فيها سواسية بلا ظلم على الأقل بأدنى مستويات العدالة .. لأن المنطق حينذاك في أن العدل أساس الملك وهو الحكم الإلهي للكون.. والذي يتم من خلاله نظام الثواب والعطاء والجزاء والإحسان وحسن الجزاء وحسن العاقبة ونظام العقاب وسوء العاقبة بكل كفاءة..
 لكن إن انعدمت جميعها بالمفهوم الدنيوي تكون الأصول الفكرية النشاز ذات الوقع الغوغائي صاحبة الأجندة والغايات والمصالح التي لم تتعدى مفهوم الشخصنة أو تابعة لجهة ما هي صاحبة اليد الطولى في التمثيل والحضور الفوضوي الذي اقتضى سحق المطالبات العادلة..
 إن كان ذلك الأمر فقد تمكنا من استقصاء المشكلة التي أدت إلى خروج المتضررين تزامنا مع خروج الخلايا النائمة والأجندة الخارجية تحت تغطية شعبوية ..
إن ما يفتقر إليه المواطن ومجموع الأفراد في أي مجتمع كان.. هو مظلة العقد الاجتماعي التي نادى بها الفارابي قبل 750 عاما تبعه بعد ذلك جان جاك روسو بمبادئه.. إن هذا الأمر يعني شمول الأفراد من عدمه تحت مظلة العقد الاجتماعي التي تضمن له تمثيلا عادلا في مجتمعه..وهذا الأمر لم يأت بمحض الصدفة بل جاء كرواسب لانعدام العدالة الاجتماعية.. التي لا يمكن فصلها بأي شكل من الأشكال بمفهوم الإخفاق في تحقيق الازدهار الاقتصادي وعدم تكافؤ توزيع الدخل وسوى المستويات المعيشية..
  إن فقر البلدان العربية لمشاريع اقتصادية تنموية أساسا على مستوى الوطن والتي إن وجدت فهي تضمن فرص عمل متكافئة ودخلا معقولا وتحصيلا لنظام حوافز وبيئة معنوية معقولة إلا أن المشاريع الفعلية التي تنفذها الحكومات بإداراتها الفاشلة.. أدت إلى سوء في توزيع الدخل وسوء في استثمار الكفاءات..مع التشبث بأنظمة العمل البيروقراطية..التي ساهمت إلى حد كبير في فشل النظريات الاقتصادية المستوردة الهجينة مع واقع المجتمعات العربية..إن ما نعنيه بالتقدم الاقتصادي أو السياحي أو حتى الاستثماري في بورصة الأوراق المالية هو ما يجب أن يلمسه المواطن ولا يتحقق ذلك فعليا إلا من خلال زيادة في الدخل الفردي ورفع المستوى المعيشي وارتفاع في مستوى الرفاهية المقدمة إليه...إلا أن هذا الأمر مغاير للواقع الذي يعيشه المواطن العربي أينما كان والتي لا تعني له بالضرورة شيئا ..ويمكن اعتبارها شكلا من أشكال التنافس ضمن القوائم العالمية وهي مجرد أرقام تصدر إلى البنك الدولي..والذي يعتبر من أهم شروطه رفع الدعم عن المواد الأساسية..
وكثير من الاستثمارات وبخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات هي في الواقع فتح أسواق جديدة ومحتملة للمصنعين لسنوات طويلة.. لأن الثورة المعلوماتية لن تتوقف عند جيل أو جيلين مُصَنَعين بل أجيال متعددة ومتفوقة في التقدم التقني.. وتعتمد على حمى التكنولوجيا وكليشيهات تصنيع منتج يفيدك ويرافقك في كل مكان.. كسياسات تسويقية للمنتج.. إن الواقع الاستثماري إيجابي ولكن ليس في بيئة ضحلة.. ليست منتجة إنما مستهلكة.. إذن هي عبئ على الاقتصاد ..لأنها كونت مجموعة من المتنافسين الذين يسيطرون على سوق تقديم الخدمات في عالم الاتصالات وهم بالأصل مجموعة من المحتكرين المتنفذين من أصحاب رؤوس الأموال ليس أكثر. وحقيقة أن هذه الاستثمارات التي أشبعت جيوب فئة مقابل ضعف للفئات الأخرى دون تشغيل للأيدي العاملة ودون مشاريع تصنيعية تخدم السوق المحلي...
 إن الإصلاح هو الحل ولكن هل سيكون جذريا؟؟
الإصلاح اصطلاحا ورد بعدة معاني منها: ما يقابل الفساد ﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ )الأعراف( 56) وهو ما يقابل السيئة ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ ) التوبة: 102( وتوفيقَ الله لعباده لعمل الصَّالحات ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ ) الأحزاب71 ( ومحو التباغض بين المتخاصِمين: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ )البقرة: 224)…
الإصلاح في الواقع العربي هو المطلب الأكثر رواجا في منطق الغيورين على الوطن..إن الإصلاح الذي تنادي فيه الكثير من الجهات والحراك الشبابي الغاضب مشروعة وأكيدة لكنها بالنسبة للحكومات هي ألرفين أو مخدر تزيد من جرعاته حسب قدرة الطرف الآخر على الحوار.. ولكن الأزمة الحقيقية هي عدم القدرة أساسا على احتواء الآخر والوصول إلى نقطة ترضي جميع الأطراف..هذا يعتبر منطقيا لو حقق على الأقل الحد الأدنى للمطالب العامة..
الذي نقف عنده من هذا المنطلق أن هناك واقعا سلبيا بين الشعب والحكومة وليس الشعب والنظام..بين الشعب والمؤسسات التنفيذية.. وليست في الواقع بين الشعوب والأنظمة لأن النظام لا يحتك بالشعب بطرق مباشرة إلا من خلال المؤسسات والقطاعات التنفيذية وهي التي في الواقع يترجم أفرادها حقدهم أو سلبيتهم الشخصية لا غير.. وكثيرا ما نشهد التلاحم الإيجابي بين الحاكم وأفراد رعيته ..والوقوف على حاجات الرعية هي طاقة ايجابية بذاتها.. كما يمكن اعتبارها  نقصا في عمل الحكومات في قدرتها على تلبية حاجات المواطن..
 إن التحول إلى معارضين هو بالضرورة يعني تحصيل مناصب فردية مع ضياع المصلحة العامة وتهميش المطالب الجماعية.. وإن الضعف والخلل في الواقع أساسه الفساد والمفسدين و وأذرعهم المسيطرة على الرساميل المؤسساتية.. إن كان هذا ما يعانيه القطاع العام فهو ذاته ما يعاني منه المواطن من القطاع الخاص الذي يضمن تقديم الخدمة..ولكن في الوقت نفسه تحصيل ضعفي السعر، الصورة ذاتها ولكنها معكوسة ولكنها تعتبر إلى حد ما أكثر قبولا..
إن ما نعانيه في الواقع هو البيروقراطية وهي قيمة أصيلة لا يمكن تجاوزها إلا من خلال تغير المنظومة القيمية للأفراد أولا، ويمكن اعتبار المشاريع الإصلاحية مراهنة على الفشل والمماطلة..
إن كنا نعي هذه الحقيقة فإن علينا أن نبدأ من الصفر.. إن البناء القوي يأتي دائما بتقوية قاعدته وهذه القاعدة تضم جميع فئات المجتمع بجميع اختلافاته السياسية والديموغرافية والجغرافية ..وبما أن الهم واحد فإن الوقوف على مشروع نهضوي تنموي شامل على مساحة الوطن لا محالة هو الحل..
ومن ثم تكون جدولة المشاريع التنموية الأخرى على مستوى الوطن الواحد ودراستها واختبار خياراتها ..هذه الفئة تمثل جزءا كبيرا من الشعب مع الإبقاء على صيغة الحوار والمطالبات الإصلاحية السلمية بلجنة ممثلة لجميع فئات المجتمع حاملة رسالتها المقدسة.. وقد خرجت من مفهوم الشخصنة إلى مفهوم المصلحة العامة.. ما نعانيه من سوء توزيع الدخل الفردي وانخفاض المستوى المعيشي وسوء الإدارة يجعلنا نعيد النظر من جديد بتعريف قدراتنا.. إن تعريف المستحيل هو تعرف خاطئ لقدراتنا فهي بلا حدود...
 وعلينا إدراك أن الإصلاح يعني المضي بعجلة تعيد نفس الفشل.. ولكن البناء يأتي من الصفر من إيجاد عناصر النجاح لأي مشروع.. قد حددت مهمته على أساس تنموي يشارك فيه جميع المواطنين صغارا وكبارا ويشارك فيها كل بيت وكل حي وكل إقليم.. حتى لا نكتفي بالرغبة ولكن بالقدرة والإرادة للتغير..والحاجة هي تكفل القيام بهذه المشاريع التي يجب أن تعود بالفائدة عليهم أساسا.. والتي نعتبرها التغذية الرجعية اللازمة لمعرفة مدى نجاح المشاريع التنموية كقاعدة للبيانات..
لن نطمع كأفراد بالكثير لأن الصيغة الفعلية لحاجة المواطن هي تأمين حاجاته الأساسية مع تشغيل الأيدي العاملة وتأمين قيمة ربحية معقولة للعاملين فيه..وقبل البدء بأي خطوة علينا دراسة البنية التحتية والتي تضمن وجود عناصر الإنتاجية اللازمة لإنجاح أي مشروع..ناهيك عن برامج استصلاح الأراضي الزراعية وفق آلية تقسيم الزراعية منها وغير الزراعية بوحدات مرقمة بعقود مفتوحة الأجل وقروض طويلة الأمد تضمن استثمارا طويل المدى..ولا بد من التنويه أن الاستثمار في القطاع الزراعي هو أساس العملية التنموية والتصنيعية والتصديرية ورفع للميزان التجاري..
ولكن لا يمكننا في هكذا مشاريع تجاوز الرساميل اللازمة لتمويل المشاريع التنموية وعليه فإن الأساس هو تجاوز الفوائد المرتفعة لهذه القروض والشروط التعجيزية المرافقة لها..من هذا المنطلق علينا تدارس التجارب الناجحة في دول العالم لتأمين رأس المال بأقل تكلفة ممكنة..ويمكن اعتبار بنك (جرامين (بالبنغاليةগ্রামীণ ব্যাংকوهي منظمة للتمويل الصغير وتنمية المجتمع حيث بدأ البنك عمله في بنغلاديش ويقوم بتقديم قروض صغيرة إلى الفقراء دون اشتراط ضمانات مالية. كلمة "جرامين" مشتقة من كلمة "جرام" أو "قرية"، وتعني "بنك القرية" وقد يكون من الملائم ترجمه الكلمة بـ مصرف القرية.. تم تأسيسه من قبل محمد يونس حيث تعود الفكرة إلى عام 1967 عندما كان يعمل البروفيسور محمد يونس على مشروع بحثي يهدف إلى تصميم نظام ائتماني لتزويد الفقراء العاملين في الأماكن الريفية... نتيجة النتائج الإيجابية..حيث قام البروفيسور محمد يونس بتأسيس المصرف بشهر تشرين الأول - أكتوبر- من عام 1983 وحصل على ترخيص رسمي لذلك.
إن تجربة تشكيل مصرف الفقراء وتكوين الرؤية له والرسالة التي أساسها مشاركة كل فرد من مواطني هذه الدولة بدينار واحد ناجحة ومثمرة.. ولتجنب الاختلاس وسوء الائتمان والنصب والاحتيال يتم إحالة المشروع إلى مصرف وطني قومي مبدئيا ومع مرور الوقت تتوفر الدراية والخبرة التي تضمن نجاحا فعليا لهذه التطبيقات..من هذا المشهد نستطيع إعادة البناء والهيكلة والتنظيم للإرادة الفردية وتوجيهها إيجابيا من أجل حماية الأوطان والنهوض بها بدلا من الوقوف في مآتمها..

ليست هناك تعليقات :